الرحيق المختوم

صفي الرحمن المباركفوري

إذا سألت أحدهم عن ترشيح كتاب للسيرة النبوية، فغالبًا، وبنسبة كبيرة جدًا، سيكون الرحيق المختوم هو الترشيح الأول، نظرًا لكونه متوسط الحجم، ويتفق أغلب من قرأوه على سهولة أسلوبه وسلاسة عرضه للنقاط الرئيسية من رحلة الرسول ﷺ في سبيل الدعوة إلى الله ودينه الإسلام، فهل وجدتُ ذلك بالفعل؟، نعم، إلى حدٍ كبير.

البداية كانت من شبه الجزية العربية، حيث نشأ العرب، واستفاض الكاتب بعض الشيء في عرض ما يشبه شجرة العائلة الخاصة بنسل العرب من البداية وصولًا لمولد الرسول ﷺ، وبدأت سيرة الرسول ﷺ مع الصفحة الخمسين..

البداية، الدعوة، ثم الغزوات:-
مع بداية الكلام عن ظروف ميلاد المصطفى ﷺ تبدأ المتعة، ويبدأ الجمال ينساب بين السطور، يبدأ القلب ينبض لكل كلمة، لكل سطر، لكل لمحة عن جماله وكماله، وتمر الصفحات بين يديك وأنت تكاد ألا أشعر بها من فرط تلذذك بما تقرأ. ثم وصلنا إلى بداية الوحي، وارتجاف الحبيب ﷺ من عظمة ما سمع، فترتجف معه وتعيش لحظاتٍ تتمنى أن تولد حينها، وتبدأ شعلة الإسلام ترتفع ببطء، يبدأ الصحابة في الوفود.

ثم تبدأ الدعوة، ويبدأ الكفاح، ويتعرض المسلمين للاضطهاد بمختلف أنواعه، من تعذيب إو إهانة أو منعٍ للطعام والشراب، فتكون الهجرة بعد سنوات قليلة، وتبدأ دولة الإسلام في التشكل، حتى نصل لبداية الغزوات، وبداية الدفاع عن دين الله بالسيف.

جزء الغزوات، هو من أمتع ما في الكتاب، وطريقة عرضه كانت من السلاسة بمكان.

تشعر بالحزن في البداية لأنك ستفارق هذه الرحلة الطيبة قريبًا، المزيد من خفقان القلب لكلمة أو موقف لا ينسى للحبيب ﷺ، المزيد عن الوحي وتفاصيله، عن القرآن وتنزيله، عن تدارس تعاليم الإسلام، عن زوجات الرسول،

عن لغة الكتاب وسرده:-
جاءت لغة الكتاب بين الثقيلة والخفيفة، ولكن إجمالًا، الاستمتاع بما تقرأ هو الغالب.

النهاية:-
جاءت نهاية الكتاب مليئة بالشجن متعدد الأسباب، فحزنٌ على انتهاء الرحلة الجميلة التي استمتعت بها، وحزنُ وأنت تشاهد الرسول ﷺ يحتضر، كأنك تعيش زمانه، وكأنك تحتضن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ساعة انهياره على الأرض من شدة حزنه وجزعه على الفراق الأليم. ينفطر قلبك حين يدخل الرسول ﷺ على المسلمين في صلاة الفجر الأخيرة في الليلة الأخيرة من حياته، وكان يؤمهم الصديق أبو بكر رضي الله عنه، فهمّ أبو بكر بالتراجع عن الإمامة للرسول عندما لمحه، فأشار المصطفى ﷺ له وللمسلمين أن يكملوا صلاتهم، ثم تبسّم الحبيب في وجه المسلمين كأنه يودعهم، كأنه يقول: الآن أرتاح، ليترقرق الدمع في عينيّ رغمًا عني، فرحمة الله عليك يا سيدنا يا رسول الله، واللهم إنا نشهد أنه قد بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف عنا الغمة، فارزقنا شفاعته يوم أن نلقاك، إنك وليّ ذلك والقادر عليه.

 

Exit mobile version